تشكِّل مغامرة الفكر المعتزليِّ تجربةً استثنائيَّةً في تاريخ الفكر العربيِّ، لأنَّ هذه التَّجربة قدَّمت مغامرتها النَّقديَّة بمعزل عن الفكرين الهنديِّ واليونانيِّ، برغم ما أُثيرَ حول تأثُّرها بهما من ضجيجٍ مفتعلٍ. فمنذ زمن غيلان الدِّمشقيِّ، تكوَّنت حركة القدريَّة الأُولى في دمشق، غير أنَّ مروان بن محمَّد تمكَّن من إخماد هذه الحركة مرَّتين، ممّا اضطرَّها إلى الرَّحيل إلى البصرة، وتطوير مبادئها الخمسة تحت عنوان "الاعتزال" في زمن واصل بن عطاء وعمرو بن عُبَيد. وسرعان ما استطاع جيل النَّظّام والعلّاف ابتكار بعض النَّظريّات والمفاهيم الأساسيَّة الفريدة، التي تستحقُّ المراجعة والفحص.
يُتابع الكتاب تاريخ الاعتزال في مراحلِهِ جميعاً، ويستكشف رغبة المأمون في تحويله إلى عقيدةٍ ناجيةٍ وسنَّةٍ قويمةٍ، ثمَّ الرّدَّة التي حصلت في عصر المتوكِّل حين قلب المحنة على المعتزلة. ولكون الاعتزال حركةً تمتدُّ على مساحةٍ زمنيَّة تقربُ من ستَّة قرون، يقدِّم الكتاب خلاصةً وجيزةً لأفكار أهمِّ أعلام المعتزلة، مثل الجاحظ